الأنثى في حالة الفعل السياسي: تحرر طاقة الدافع الجنسي من قيودها

بقلم: أيهم محمود

 تعقيباً على مقالة: السياسة والنسوية المرأة وغياب الدافع الجنسي في السياسة

المنشورة في موقع الأوان بقلم مها حسن

تم إرفاق نسخة من المقالة في نهاية هذا النص من أجل الإطلاع عليها في الدول التي حُجب فيها موقع الأوان

 

بداية ، أود التنويه أن ما سيرد لاحقاً في هذا النص هو مجرد رأي لشخص غير مختص بعلم النفس، وبالتالي كل ما ورد فيه من فقرات مرتبطة بمواضيع في علم النفس هي رؤيتي الذاتية و فهمي لما قرأت في هذا المجال.

أبدأ من فرويد و من موضوع حسد القضيب، الذي تحول أيقونة رمزية لحاجة الأنوثة إلى التعبير، و إلى إعادة التوازن الداخلي بضبط المعادلة (تجميع الطاقة – تفريغها). المعادلة بقطبيها تقابل على الترتيب مفهومي الأنوثة و الذكورة اللذان تحدث عنها بيير داكو في كتابه (المرأة بحث في سيكيولوجيا الأعماق) ، و فيه الفرد يحوي كلا القطبين، و توازنه هو من توازنهما و استقرارهما. و مع مفهوم ( الطاقة النفسية) الذي بدأه يونغ و ساهمت في صقله ميلاني كلاين، وللتبسيط أشبّه الطاقة النفسية بالماء الذي يخضع لقوانين فيزيائية تضبط سلوكه و حركته، و مع تصورنا هذه الطاقة-الماء تتبع قوانين الكون، فهي تسيل في أقصر الطرق و أقلها صرفاً للطاقة، و تتجمع فتتدفق من منافذ بديلة إن نحن أغلقنا المنافذ الطبيعية، و تضغط فتسبب الألم و المعاناة و تشوه الفراغ الذي يحويها إن حُبست، فإذا وجدت منفذاً مقبولاً اجتماعياً تحول الضغط ارتقاءاً أخلاقياً و شخصياً، وإذا فُتح أمامها منفذ غير مقبول اجتماعياً خرجت مدمرة للبنى المحيطة بها، و أبتعد هنا عن  وصف المنافذ الأخرى بغير السوية معتمداً رأي إيريك فروم الذي ذكره في كتاب (المجتمع السوي):

“و من السذاجة أن نفترض أن اشتراك أكثرية الناس في بعض الأفكار و المشاعر يثبت صحة تلك الأفكار و المشاعر. ليس للمصادقة الاجتماعية في حد ذاتها علاقة بالعقل أو بالصحة الذهنية. و كما يوجد –جنون اثنين- يوجد جنون ملايين. فاشتراك ملايين الناس في الرذائل لا يجعل هذه الرذائل فضائل”.

إن كان فرويد قد أسقط رمزياً حاجة الكائن الأنثوي للتعبير على مفهوم القضيب فذلك منطقي إذا ما أخذنا في اعتبارنا الفترة الزمنية التي عاش فيها، حيث كانت معظم قنوات تفريغ الطاقة حكراً على الرجال، و على الكائن الإنساني الذي صادف بحكم الطبيعة أنه أنثى ، أن يصرف المزيد و المزيد من طاقاته النفسية على صيانتها و منع انبثاقها من نقطة ضعف لا يسمح المجتمع بها، و نافل عن القول ما تسببه هذه العملية من آلام نفسية و إنهاك يدفع الأنثى بعيداً عن مجال الإبداع و يبدد طاقاتها. وهذا ما تم استغلاله من قبل الذكور لتوظيف المزيد من القهرعلى الأنوثة في تعبيرٍ فج و طفولي عن فقدانهم لها و حاجتهم إليها، توظيف انتهى بالنظر إلى الأنثى كعنصر غير مكتمل أدنى مرتبة من الرجل، فهي ناقصة عقل تتحكم الشهوات بها، و هنا ينظر الرجل إلى صورته في مرآة الوجود و يدفع قلقه العميق الذي سببه تعطيل جزء مهم من تركيبته النفسية عبر تحويل ما يقلقه و إلباسه الجنس الأنثوي بكامله أفكاراً نمطية تلغي أي تمايز فردي فيه. هذا الاختراع الناجم عن ثقافة ذكورية صافية يدعى العنصرية، و تمتد مظاهره أبعد من موضوع التفريق الجنسي ليشمل اللون و الدين و العرق و الوضع المالي و أي صفة أخرى تجعله ذكراً مسيطراً و تخلق قطعاناً يتوجب حكمها و سيادتها.

الأنثى في الثقافات الغربية، عدّلت جزءاً مهماً من مظاهر حياتها، لكن هذه التعديلات مازالت أسيرة القشرة و لم يقدّر لها اختراق اللب، و تلك عملية مفهومة، إذ من غير المنطقي أن عملية استغرقت آلاف الأعوام يمكن أن تلغى و تُعكس نتائجها في بضعة عقود، و هذا ما أشارت إليه بذكاء شديد فاطمة المرنيسي في كتابها (هل أنتم محصنون ضد الحريم) و الذي تنتقد في بعض فصوله الحنين لمفهوم الحريم عند الرجل الغربي.

أعود لموضوع مقالة (السياسة والنسوية : المرأة وغياب الدافع الجنسي في السياسة) و قبل أن أذكر وجهة نظري حول موضوعها.  أقول أن لدي قناعة عميقة بأن الاختلافات بين أسلوب تفكير الأنثى و الرجل حالياً، هي انعكاس للثقافة السائدة و ليس للإختلاف الجسدي أو الهرموني. و بالتالي ما ذُكر حول وجود ارتباط بين الدافع الجنسي و بين ممارسة السلطة لا يرتبط بجنس الكائن الإنساني الموجود في هذا الموقع. شرط أن يكون قراره حراً ، غير مُتَحكم به ، يعطي للنفس النشوة التي عرفها و خبرها ملايين الرجال في موقع القرار.

الدافع الجنسي في أبسط تجلياته توجه نحو التواصل الإنساني، و نحو تفريغ طاقة تجمعت داخلنا و باتت تزعجنا و توترنا باتجاه الآخر الإنساني الذي من المفترض أن يتقبّلها و يردّها تواصلاً و طاقة تغذي جذوة الحياة فينا و تبعدنا عن قلق الموت و الرغبة الدفينة فيه. بهذا المعنى لانرى وجود فروق بين الجنسين، الفروق التي نراها الآن هي حالة تشريط ثقافي وضع الأنثى في موضع المتلقي و الذكر موضع الفعل و المبادرة. الطاقة الجنسية لا يقتصر تعبيرها على الفعل الجنسي فقط، بل يمتد أثرها ليشمل نواحي أعمق و أشد جذرية في بنيتنا النفسية، الكاتب الذي يُمنع من التعبير عن أفكاره و همومه يعرف آلام حصر الطاقة (الأفكار و المشاعر) داخله، و يعرف أيضاً النشوة التي يطلقها  تحررها من سجنها و انتشارها بين الآخرين و هي في واقع الحال جنسية. السلطة وفق المفهوم السابق،  فعل جنسي طالما تتطلب التواصل و التفريغ عن الطاقة المحتبسة داخلنا و تستثمر داخلياً نتائج هذا التفريغ، و بما أن تنبيه منطقة في الدماغ ينبّه المناطق المرتبطة بها فلا عجب أن يثير النجاح في ممارسة السلطة الفعل الجنسي، بل إن أي نجاح للعقل في تفريغ توتراته تواصلاً مع المحيط و مع الكون سيحرض بالضرورة نشاط الأعصاب المرتبطة بهذا المعنى.

أتفق مع تصريحات ميركل و أبتعد عن الموافقة على تصريحات لاغارد كونها الوجه الآخر لعملة التفريق بين الجنسين التي أسستها المجتمعات الذكورية. الأنثى الناجحة التي تعبّر عن نفسها تجذب الذكور بقدر ما تثير خوفهم من الارتباط بها، و تثير استيهاماتهم الجنسيه لأنهم يدركون بطبيعتهم البشرية تلك الهالة التي تتوج رأسها في لحظة انتقالها من حالة الكمون إلى حالة الفعل. أجمل الوجوه التي بقيت صوراً في ذاكرتي كانت لنساء في حالة الفعل الذي ينتج النجاح. تلك أمور ندركها جميعاً،  لكن من الصعب في ثقافتنا البوح بها.

أيهم محمود

السياسة والنسوية المرأة وغياب الدافع الجنسي في السياسة

موقع الأوان بقلم مها حسن

في سؤال مباغت، وجّهه دافيد بوجاداس، مقدّم نشرة الأخبار الرئيسية في القناة الفرنسية الثانية، إلى إنجيلا ميركل، عن العلاقة بين السلطة التي تمارسها المرأة والدافع الجنسي، أو فيما لو كان ثمّة وسيلة أنثوية أو أسلوب نسوي في ممارسة السلطة . نفت ميركل، أن يُلصق عليها أي “إتيكيت” أو عناوين مسبقة.

 كانت مناسبة السؤال، هو التصريح الجريء والمفاجئ، الذي أدلت به كريستين لاغارد، وزيرة الاقتصاد الفرنسي، أثناء مقابلة أجرتها معها محطة إي بي سي الأميركية، في برنامج “هذا الأسبوع”، وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العمومية السنوية لصندوق النقد الدولي، حيث تناقلت فيما بعد، عديد المواقع والصحف الفرنسية ما قالته لاغارد، عن ممارسة المرأة للسلطة، وعلاقتها بالرغبة الجنسية.

 تعتقد لاغارد، بأن للمرأة نهجا مختلفا عن الرجل في ممارسة السلطة. حيث ينخفض تدخّل الدافع الجنسي “الليبيدو” لدى المرأة، عنه لدى الرجل، كما يقلّ لديها التستوستيرون . أو ما يسمّى بـ هرمون الخصية. لذلك، ووفق كريستين لاغارد، ثمة تقارب في ممارسة السلطة لدى الرجال، مع الدافع الجنسي. هذا التقارب غير موجود لدى المرأة، أو هو أقلّ وجودا لدى المرأة مقارنة بالرجل، ويعدّ بمثابة “مساعدة” في ممارسة المسؤوليات السياسية.
“هو مساعدة لأننا لسنا مضطرّات لتوظيف الأنا في المفاوضات، من خلال فرض وجهة نظرنا المهيمنة، على الطرف الأخر”.
تعتقد لاغارد إذن، بأن الرجال يخلطون الأنا ذات الأصل الجنسي، مع أفكارهم وممارستهم لسلطاتهم.
” أنا متأكدة أنّ هناك نساء يتصرّفن هكذا.. بعد ثلاثين عاما من الحياة المهنية، أعتقد بأمانة، أنّ لغالبية النساء اللواتي يشغلن مواقع للسلطة، نهجا مختلفا”، تقصد عن الرجال.

 أما ميركل، فهي تعتقد أنّ ثمّة اختلافا ما، في ممارسة السلطة، بين المرأة والرجل، إلا أنها ترفض الاعتقاد، بأنّ للمرأة أسلوبا مختلفا، أو خاصا بها.تقول ميركل” من تاتشر إلى كلينتون، مرورا بكريستين لا غارد وبي أنا، تختلف كل منا عن الأخرى، كما يختلف أوباما عن ساركوزي أو كاميرون … لا أقبل بأن تلصق عليّ أي مقولات مسبقة” . وهكذا ترفض ميركل الربط بين “أنوثتها” أو جنسها، وبين ممارستها للعمل السياسي، أو للسلطة، بينما تؤمن لاغارد، بأن غياب الدافع الجنسي وهرمون الذكورة المهيمن على الآخر، من خلال شخصية الرجل يجعل أداء المرأة أكثر حيادية .

في الوقت الذي اقتصرت فيه أغلب دعوات ” النسوية” المتعلقة بالسياسة، بإشراك المرأة في العملية السياسية، بغية مساواتها مع الرجل، وانحصرت تلك الدعوات والمطالب بـقنوات رفع القهر عن المرأة، فإنّ القول اليوم، بإمكانية نزوع المرأة في ممارسة العمل السياسي إلى النزاهة أكثر من الرجل، نتيجة غياب الأنا القاهرة للآخر التي ترتكز عليها الشخصية الذكورية ونرجسية الهرمون المذكّر، هو موقف جديد يستحقّ التنبّه له، بغض النظر عن القبول به أو رفضه.
موضوع لا يمت بصلة إلى العلاقة بين النسوية والإيديولوجيا، ولا بحقوق المرأة ومساواتها، بل بمفهوم السلطة من وجهة نظر جنسية؟
هناك الكثير من الدراسات حول النسوية وعلاقتها بالسلطة، ولكنّ تلك الدراسات والأبحاث، قام بها أشخاص يمكن أن نعتبر أنهم “نسويون” أو “نسويات”، أو باحثون أو باحثات، لكنّ ما صرحت به وزيرة الاقتصاد الفرنسي، لا يدخل ضمن فئة الأبحاث، بل يمكن اعتباره شهادة من شخص في السلطة.

 من ناحية أخرى، فإن المطالبات النسوية راحت تتحدث عن حقوق المرأة للمشاركة في الفعل السياسي أو الاجتماعي، أما أن تتحدث النساء المتواجدات مسبقا في السلطة، وبشكل لافت للنظر، كما هي الحال لدى وزيرة الاقتصاد، أو بشكل أكثر حضورا لأنجيلا ميركل، باعتبارها المحرك الكبير في السياسة الألمانية، والمتواجدة بشكل فعال في الدوائر السياسة الأوربية والعالمية، فهو أمر ينقل ملف النسوية من جهة المطالبة بها، أي من كفة الطرف الضعيف، المستبعد، إلى جهة الطرف القوي، الممارس للسلطة .
أعتقد أن أهمية تصريح لاغارد، ليس في كونه يمثل الحقيقة أو لا، ولكن في كونه موقف امرأة متواجدة في السلطة، امرأة لا تعاني من فقدان السلطة لتطالب بالحصول عليها.

هذا أيضا يستدعي برأيي، الأخذ بعين الاعتبار، مواقف النساء العربيات في السلطة. هل تواجد المرأة العربية في السلطة هو متابعة لدور الرجل الحاكم وامتداد له، باعتبار أن جميع الحكام العرب هم من الرجال، وهل تستطيع المرأة العربية المتواجدة في الحكم، الرد على سؤال إن كانت هناك وسيلة ” أنثوية” أو “نسوية” مختلفة في الحكم تتبعها المرأة وتتميز بها عن الرجل الحاكم؟
لا أنفي عن المرأة الغربية تبعيتها أيضا للحاكم، إنما ليس بوصفه رجلا، بل بوصفه حاكما. وثمة الكثير من الأنظمة الديمقراطية المخيبة للآمال في الغرب. إضافة إلى أن القاعدة الشعبية، حتى في الغرب، غير مهيأة بعد، وبشكل واسع، لتقبل شكل المرأة الحاكمة.

شخصيا، كنت معجبة في فرنسا بوجود سيغولين رويال كمرشحة عن الحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية، ورغم خسارة رويال، إلا أن الحزب حاول لملمة أوراقه المبعثرة، وانقساماته، ليعود من جديد، محاولا التوحد تحت إدارة امرأة، هي مارتين أوبري. ورغم أن زعيم الجبهة الوطنية جان ماري لوبين قد ترك مكانا واسعا أمام ابنته مارين لوبين، لتكاد تحل محل أبيها في الحزب، إلا أن كل هذا لا يدعو كثيرا إلى التفاؤل ، أو الاعتقاد بأن القاعدة الشعبية في فرنسا، مستعدة للوقوف إلى جانب امرأة في الانتخابات القادمة. أليس العائق الجنسي أو الجنسوي، هو ما يؤخّر وصول المرأة إلى أعلى درجات السلطة ؟ أم أن الذهنية الذكورية، والنرجسية الجنسية، وفقا لشهادة كريستين لاغارد، حيث “أنا” الذكر، النابعة من قوته القضيبية، وتفوقه القضيبي، هي لبّ المشكلة؟

أوليس ثمة دافع جنسيّ، أو ليبيدو لدى المرأة، يختبئ خلف قراراتها السياسية أو الأخرى، حسب موقع السلطة التي تمثلها. هل هرمون الخصية” التستوستيرون”، يلعب دورا أكبر من أي نرجسية أو حبّ للظهور، تحرك أفعال وقرارات بعض النساء، حتى تستميت الواحدة منهن من أجل تنفيذ قرارها وتحقيق سلطتها؟
فيما لو صح كلام لاغارد، فهل تدفع المرأة ثمن اختلافها العضوي، وعدم تدخل الدافع الجنسي، الذكوري، اللاغي للآخر، والفارض للأنا، بحيث يحيّدها دوما ويجعلها تقف في الصف الثاني خلف الرجل؟

الإجابة طبعا تستدعي الكثير من البحث، وشهادات نزيهة، مجردة من انحياز مسبق للنوع . ربما تكون شهادة ميركل، المختلفة عن لاغارد، أولى هذه الخطوات… ويبقى الباب مشرعا أمام كل الأسئلة. إلا أنه من الواضح ، مهما تعددت الآراء والشهادات، في دور الدافع الجنسي أو حياديته، في التدخل في القرارات الحاسمة، والجادة، التي تتطلب صرامة ودراية لا علاقة بالهرمونات الجنسية بها، أو هكذا يُفترض، من الواضح إذن أن الخلاف الجنسي، أو بالأحرى الجنسوي، لن يمهد طريق المساواة الهادئة، وستبقى الأسئلة تقسم الكون إلى قسمين، أو جنسين : امرأة ورجل!

About Aiham Mahmoud

Structural engineer
هذا المنشور نشر في فكرة وكلماته الدلالية , , , , , , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.