كأن حدود الدول والقوميات ما زالت موجودة بعد!

يظن البعض أن التغيير ممكن في بلد واحد..
وكأن حدود الدول والقوميات ما زالت موجودة بعد!.

لم يعد ممكناً التحرك سياسياً وثقافياً في بلد واحد وإحداث خرق ما، لقد تحالفت الحكومات حتى المختلفة والمتصارعة منها على منع أي تغيير شعبي، بل حتى الحكومات الغربية -خاصة بعد تحرك السترات الصفر- قررت الانضمام بقوة إلى هذا التحالف غير المعلن خشية انقلاب الساحة السياسة نحو اليمين الأوروبي، أو تنفيذ غزوات مماثلة لغزوة ” أنصار ترامب” بعد خسارته الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية، كان جزء كبير من آليات التقييد المكاني في كورونا اختبار لردة فعل الشعوب على اجراءت حظر تجول عالمية، ما هي المدة التي يستطيعون فيها منع كتل بشرية هائلة من الفعل قبل بدء ظهور أعراض الجنون وبدء انتقال الجماعات البشرية إلى العنف المنفلت من أي ضابط.
جزء من تحالف الحكومات مبرر!، وهو -نظرياً- الحاجة إلى ضبط كتل بشرية هائلة الحجم ستضطرب بعنف مع انخفاض مستوى المعيشة بشكل مذهل عند تراجع طاقة النفط وازدباد كلفتها، أو ربما عند منع استخدام النفط كلياً نتيجة تدهور حاد ومرعب في سلامة مناخ الارض، ستحدث عندها اضطرابات واسعة النطاق، من يرغب التأكد من وجود إجراءات احترازية لأغنياء الأرض للنجاة بأنفسهم من حدث قريب يتوقعونه والتي وصل تطرف بعضها إلى فكرة تركيب أطواق الكترونية متفجرة للعمال الزراعيين -العبيد الجدد- تمنع تمردهم على نظام نيو-اقطاع فليبحث عن هذا الأمر في الانترنت، القلة تصدق فقط أن هامش الربح الطاقي لأنظمة الطاقة البديلة لا يمكن أن ينافس على الإطلاق مجانية طاقة النفط، النفط كنز راكمته الأرض خلال ملايين السنين واستهلكه الإنسان الأحمق خلال بضع عشرات منها فقط، لذلك قلت أن جزء من تحالفهم هذا يبدو ظاهرياً مبرراً، لأنهم لم ولن يجتمعوا على مبدأ أخلاقي حقيقي يفيد البشر فعلاً، لن يجتمعوا ويتحالفوا إلا للحفاظ على استمرار بقائهم ظناً منهم أنهم الأفضل للبشرية والأرض، بل للكون كله، بدءاً من كوارث الشرق لدينا، وصولاً إلى مجانين الغرب!.
سيشهد هذا القرن بعد منتصفه -أو ربما في ربعه الأخير- أول تغيير ثقافي عالمي شامل مُسقِطاً مفهوم الحدود بين الدول حتى لو بقيت شكلياً لفترات طويلة بعده، سيتعلم البشر أن الحدود والأسوار الدينية والقومية كانت ضرورة تاريخية في فترة ما والآن انتهت كما انتهت قبلها الحدود القبلية وبعدها الحدود الإقطاعية لتتشكل على أنقاضها الدول.
إن كان هناك حزب سياسي يرغب ان يكون حزب المستقبل، وليس حزب المنقرضين والمستحاثات والديناصورات، عليه أن يؤسس نفسه على مبادئ عالمية، ويوجه نشاطه فعلياً نحو الأرض كلها وفق صيغ أكثر نضجاً بكثير من مقاربة الشيوعية وبعض الأديان التي كانت بالفعل أممية، من يحلم بثورة مثلاً في الشرق الأوسط سيصطدم بتعاون الأخوة الأعداء على إجهاضها حتى لو كانوا يغتصبون بعضهم البعض قبل يوم واحد فقط من حدوثها، لكن إن حدثت فجأة أمامهم سيتم دفنها أولاً، ثم العودة إلى صراعهم القاتل -بعد انهائها- ثانياً، لم يعد ممكناً اللعب على تناقضاتهم البينية، لم يعد ممكناً الرهان عليها كما كانت تفعل الأحزاب السياسية في القرن الماضي، انتهى ذاك الزمان إلى غير رجعة، معظم البشر مازالوا مغيبين يحلمون بقواعد سلوك سابقة أكل عليها الدهر وشرب، قواعد سلوك خطرة، بل قاتلة، لا تفهم متغيرات العصر، ومدى عمق وخطورة التحديات التي تواجه -حالياً- وجود البشر.

About Aiham Mahmoud

Structural engineer
هذا المنشور نشر في الجميع, سياسة وكلماته الدلالية . حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.