أنثى

أنا ، الحرة دون انفصام.لا وقت لديّ للانتظار فلست عاطلة ، كما أني عملية لا أضيع الفرص الثمينة فلست غبية.السيدة فقط تعلن عن نفسها . عن كل شيء . هذه هي الاتفاقية.

بهذه الكلمات تعلن نادين البديرفي مقالتها “إن جئتك أصرّح عن حبي” عن ولادة أنثى جديدة غير محكومة بصراع الأسياد و الجواري. تنهي مخاضاً طويلاً و عسيراً لزرع زهرة فوق صخرة راسخة لا تسبح فوق رمال الصحراء.

لطالما قرأنا أعمال رائدات الحركة النسائية في وطننا الممتد من الذكورة إلى الذكورة ، كانت أعمالهن شبيهة بكتب الرياضيات و العلوم الوضعية ، منطقية ، مقنعة ، لكنها تفتقد إلى الندى و العطر الذي يرافق حركة الأنثى. لست ألومهن ، لست ألوم من سكن خط النار و كان في كل لحظة مهدداً بالموت و الإقصاء ، و أتفهم أيضاً الغضب الداخلي و العميق و الجرح الذي لا يندمل الذي خلفته قضبان الأقفاص ، أقفاص الحرية المجتزأة التي أرغمنا على السكن فيها و الالتزام بمساحتها.

على الضفة المقابلة ، يسكن الرجل الذي أراد أن يمنح الأنثى حريتها ، أن يتخلى طوعاً عن صفة السيد ليستعيد فردوسه المفقود الذي تحن عضويته إليه دوماً كحنين الغريق للهواء . حرية ليس يملكها أصلاً ليعطيها ، وفقاً لتعبير أقتبسه من مقالة للكاتب نبيل فياض . حرية مجتزأة في ظل قانون الطوارئ غير المعلن و الذي يعتبر السلاح الأمضى ، و العنصر الأهم لفرض أمن نسبي في ظل حروب مستعرة بين الجنسين في كل بقعة مأهولة على هذا الكوكب.

حروب أشارت لها فاطمة المرنيسي في كتابها ” هل أنتم محصنون ضد الحريم” ، حروب لا تحتاج إلى إثبات و شواهد حين يكون الموضوع رجال الشرق ، لكنها كما ذهبت ، تظهر مستترة في ذاك الحنين إلى الحريم الذي يبديه فنانوا الغرب. لم تكن يدها خالية من غبار البارود حين كتبت ” و لعل الرغبة الفريدة لدى الأوروبيين باقتناء محظيات على شكل لوحات لإماء مستسلمات و صامتات تشكل إحدى الوسائل لعقلنة رغبتهم بالسيطرة ، و تجسيد تناقضاتهم من أجل تجاوزها و طردها و السيطرة عليها و تخطيها”.

آلاف المقالات و الكتب جمعت بين طرفي الضفتين ، وحدتهما الرغبة في التغيير ، الرغبة في نقض واقع منغمس في اللامعقولية و الهدر ، هدر الإنسان وفق المصطلح الذي أسسه الدكتور مصطفى حجازي . إن كان الرواد قد أناروا التنقاضات التي تعصف بالنظم الاجتماعية القائمة إلا أنهم لم يوفقوا (و هذا رأي الشخصي ) في طرح رؤى بديلة قابلة للحياة ، و تلك ليست لضعف شاب مناهجهم بقدر ما هو تجلي آخر لتاريخ العلم في رحلة بحثه عن الحقائق ، تاريخ العلم الذي حفل بشباب يتوصلون لنظريات تنقض ما قبلها و تكون تتويجاً لآلاف الأبحاث التي سبقتها و التي عرّت فيها نقائص النظريات السائدة ، شباب ميزتهم الأولى و الأخيرة أنهم ولدوا في عصر الشك و والارتياب فكان لهم القدرة على الفعل و البحث بجرأة عن زاوية أخرى مختلفة للنظر إلى عالمهم و استنباط قوانين جديدة تناسب عصرهم.

تبدأ رحلة التغيير الاجتماعي وفقاً للدكتور مصطفى حجازي من الأنا ، من تغيير الذات ، من نقدها و إطلاق طاقاتها الدفينة و الخلاقة . نقد الذات و تجاوزها يجب أن يظل أسير بيئته الإنسانية المتحركة التي تقبل النقض و التغيير الدائم كونها نتاج بشر يخطئون قبل أن يصيبوا ، رحلة التغيير هذه يجب أن تكون مشروطة بالشك الدائم، تمهيداً لتجاوز حي و مستمر و خلاق كي لا تنتهي إلى تجربة اليسار الذي أسس ديناً آخر لا يقل انغلاقا و تحجراً عن غريمه الأصولي .

من هنا تبدأ التجربة الفريدة لنادين البدري ، من قدرتها على النقد الذاتي و التحليق بجناحين يحكم ضرباتهما الاتساق و التناغم ، من قدرتها على تجاوز الماضي دون أن تحمل جرحاً نازفاً يهدر طاقاتها ، أو إعاقة تمنعها من توظيف عاطفتها جسراً يصل بين ضفتي الوجود الإنساني.

تقول في مقالتها :”لكني حرمتها وحرمتني من فعل الاختيار. إذ كان لديّ تحفظ هائل على من يبدأ أولاً.ألم يكن تحفظي تمييزاً؟كان ذلك ماضياً. “نقد …. توازن في الطرح …. و تجاوز نهائي.

و في مكان آخر نقرأ :” أقرأ لنزار قباني قصيدته مع الجريدة. تتركه يذهب أدراج الرياح دون أن تقوم من مقعدها لتلحقه فتعلمه عن نفسها ووجودها. تشاهده يختفي وتبقى خلفه ساكنة. تبقى مثل جريدته وحيدة.”

لنواجه مرة أخرى عنفوان الأنثى و كرامتها ، لكن هنا الأنثى تكره الضعف كما الحرب ، و تنأى بنفسها عن أخلاق الجواري اللواتي يُردن عن طريق استسلامهن المصطنع إيقاظ الحب في نفس السيد الذكر ، و الحب في قاموسهن و قاموس أسيادهن أيضاً ضعف ، و بوابة آمنة ليعبر منها حصان طروادة تمهيداً لاحتلال المدينة.الحب عند نادين علاقة لا تكتمل إلا بتوازن طرفيها ، لا تكتمل إلا بتقبل كل معاناة يمكن أن تحدث للطرفين ، تريد أن تكون حرة و الحرية مسؤولية ، لذلك تشترط أن تدفع نصيبها من المعاناة و الهزائم كي تحصل في لحظات الانتصار على الغنائم التي استحقتها عملاً و مثابرة و كفاحاً لا منّة أغدقها عليها الأسياد.

“هل ستخذلني الإهانة وتكسر كبريائي؟هل يشعر بذلك الرجال أيضاً؟ حين أرفضهم؟أم يعتبرونه عادياً أن تخذلهم المشاعر المقابلة، أو ترفضهم. هل اعتادوا الإهانات؟لما عدت من جديد لأعتبرها إهانة؟لأني لا أزال محصورة بفكر قديم. فكر عيب التعبير.. “

نادين الندى ، و حقول خضراء من القمح تمتد بلا نهاية ، نادين المحاربة التي تحدت ظلم الشرق و نهضت كنجمة معلقة في السماء كي لا تضل أخواتها المبحرات في ظلمة عصور الذكورة المفرطة و البغيضة ، نادين الأنوثة المتوازنة التي نأمل أن تنهض حرة في كل بقعة من بقاع هذه العالم

أيهم محمود

About Aiham Mahmoud

Structural engineer
هذا المنشور نشر في فكرة وكلماته الدلالية , , , , , . حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.